العنصرية داخل المجتمع الأمريكي
العنصرية ضد السود في أمريكا

العنصرية داخل المجتمع الأمريكي

العنصرية داخل المجتمع الأمريكي

مقتل جورج فلويد خنقا من طرف رجل شرطة:

بماذا يذكرك مشهد الشرطي الأبيض الذي خنق رجلا أسودا حتى الموت؟ هذا الشرطي الذي وضع ركبته على رقبة الرجل الأسود المدعو جورج فلويد  حتى أرداه قتيلا. وقع ذلك على مرأى من أفراد آخرين من الشرطة الأمريكية والرجل يستغيث لكن لا مجيب ولا مغيث. لا الشرطة منعت زميلهم من الجريمة ولا المواطنين المتواجدين في مسرح الحادث تدخلوا لإنقاذ الرجل الأسود من قبضة الشرطي. بل كان هناك من حولِه، من يصور المشهد كأنه لقطة سينمائية ليس إلا. مَثَّل هذا مشهد قتل “جورج فلويد” صورة العنصرية ضد السود بأدق تفاصيلها.

جورج فلويد العنصصريو في أمريكا

هنا نتساءل كيف لرجل شرطة أن يقوم بإيقاف ” جورج فلويد “ لارتكابه مخالفة ما، ثم يصدر عليه حكم الإعدام خنقا، فيقوم بتنفيذ هذا الحكم فورا.

إنه استهتار بالحياة، فكيف وصلت الحضارة الغربية إلى مثل هذه “الإنجازات” اللاأخلاقية؟

إطلالة على العنصرية ضد السود داخل المجتمع الأمريكي:

جذور المشكلة عميقة، وترجع إلى ما وقع في حقبة من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.

فبعد أن غزاها المستعمر الأوروبي قضى على السكان الأصليين وأبادهم عن آخرهم.

بعدها عمل على استقدام آلاف الأفارقة السود كعبيد للعمل بالحقول الممتدة مد البصر، وكخدم في البيوت.

رغم ما حفل به تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية من نضال السكان السود للتخلص من الرق والعبودية ، و من العنصرية الممارسة ضد السود ، إلا أن نعرة التفوق للجنس الأبيض على الأسود ظلت طاغية راسخة في المجتمع وتوارثتها الأجيال إلى يومنا هذا.

أليست الولايات المتحدة الأمريكية بلدا ديموقراطيا و بلد الحريات؟

أليس هناك تكافؤ الفرص للجميع؟

ذرونا نعترف أن فكرة المستعمر المتفوق لا زالت طاغية رغم كل الشعارات المرفوعة من ديموقراطية وحريات وحقوق انسان وغيرها.

نفس المنحى لا يزال قائما بالدول الأوروبية وكندا.

ذلك التمييز حي في نفوس فئة ليست بالقليلة من البيض رغم عدم الإفصاح عنه.

وفي بعض الأحيان تجد من غير البيض من يؤمن إيمانا راسخا بتفوق الجنس الأبيض، وذلك لما وصل إليه الغرب من تقدم تكنلوجي مبهر.

إلا أن هذا التقدم التكنلوجي وغيره لا يضمن بقاء الحضارة الغربية وخصوصا عندما تفلس القيم التي تحكم هذا النظام.

فهناك عنصرية بنيوية منذ فترة ليست باليسيرة داخل المجتمع الأمريكي. سنة 1935 اعتمدت الحكومة الفدرالية التأمين الاجتماعي.

لكنها استثنت من الاستفادة من هذا التأمين عمال الزراعة والخدم في البيوت والعمال اليوميين، وهذه الفئات أغلبيتها الساحقة من السود.

منذ صدور قانون الحقوق المدنية سنة 1964 أصبح الأمريكيون السود يتمتعون بنفس الحقوق -من الناحية القانونية- كغيرهم من المواطنين البيض.

نظرة المجتمع المسلم إلى العنصرية مع نموذج فريد من الرعيل الأول:

بعد هذه الإطلالة الموجزة على واقع المجتمع الأمريكي، وذلك على إثر الأحداث الأخيرة بعد قتل الرجل الأسود جورج فلويد، ذرونا نلقي نظرة إلى مجتمع آخر نرصد فيه واقعة مغايرة تماما.

بطل هذه القصة رجل  أهان مولى من الموالي.

إنه الصحابي الجليل الذي عاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عير عبدا بأمه الأعجمية.

مختصر هذه الواقعة التي أوردها بعض أهل العلم في تفسير الحديث الذي رواه البخاري.

الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري عيَّر بلالاً بن رَباح بأمه الحبشية، فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال له يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية.

“عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: مَرَرْنَا بِأَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ وَعَلَى غُلَامِهِ مِثْلُهُ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِي كَلَامٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَقِيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: “يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ، قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ”.[1]

ففي المجتمع المسلم معيار التفاضل بين الناس هو التقوى مهما اختلفت الخصائص الأخرى من عرق ولغة ولون وحسب ونسب وغيرها.

يقول الله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ} .[2]

ويقول كذلك: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.[3]

كيف حارب الإسلام كل أشكال العنصرية:

إن الإسلام عبر مختلف تعاليمه العقدية والتعبدية والأخلاقية، حارب كل أشكال وألوان التميز العنصري في المجتمع.

سواء كان هذا التميز بسبب العرق أو اللون أو اللغة أو القبيلة أو القرابة أو الوطن او المذهب.

فالمفتخر بشيء من ذلك يولد في الغالب نوعا من الكبر والإحساس بالتميز على الغير.

فالإسلام حرم الكِبر الذي هو من أمراض القلوب الفتاكة، فالله لا يحب كل مختال فخور.

ففي عبادة الصلاة تطبيق عملي يومي لغرس المساواة بين المسلمين.

العنصرية ضد السود في أمريكا
العنصرية ضد السود في أمريكا

حيث يصطف المصلون صفا متراصا، الغني فيه بجنب الفقير والأبيض مع الأسود مَنكب الواحد على منكب الآخر ولا مجال للفرجات في الصف لطرد كل تأفف قد يجول في خاطر البعض.

موازاة مع ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإفشاء السلام بين المسلمين لتَعُمَّ المحبة والتآلف وتذوب الفوارق وتتبخر الأحقاد فيصير الناس كلهم سواسية لا فرق ولا تفاضل بينهم إلا بالتقوى.

فتعاليم الإسلام واضحة تمام الوضوح بخصوص نبذ كل أشكال التمييز بين المسلمين.

فلا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى.

“لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ ، ولا لأبيضَ على أسودَ ، ولا لأسودَ على أبيضَ – : إلَّا بالتَّقوَى ، النَّاسُ من آدمُ ، وآدمُ من ترابٍ.” [4]

فالرسول صلى الله عليه وسلم عاتب الصحابي الجليل الذي عَيَّر أخاه المسلم بأمه الأعجمية. فقال له “إنك امرؤ فيك جاهلية”.

فمجرد تَعْيير الآخر بما ينقص من كرامته يعتبره الإسلام جاهلية بغيضة والتي جاء من أجل محاربتها واستئصالها من النفوس.

فكيف إذن بمن يهضم حقوق فئة عريضة من المجتمع على أسس عنصرية؟

وكيف بمن يبيح ويستبيح القتل بنفس الدوافع؟

هنا تتجلى رحمة الإسلام للعالمين. يقول الله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ.} [5]

الإسلام دين الرحمة والمساواة والعدل والعزة والكرامة للناس كافة، فهو يحارب كل أشكال الظلم والطغيان والفساد ليعيش الإنسان حرا عزيزا مكرما.

المراجع:

[1] الراوي : المعرور بن سويد. المحدث : مسلم. المصدر : صحيح مسلمخلاصة حكم المحدث: صحيح. التخريج :أخرجه البخاري (30)، ومسلم (1661) واللفظ له.

[2] سورة النساء، الآية 1 

[3] سورة الحجرات، الآية 13

[4] المحدث: الألباني. المصدر: شرح الطحاوية، الصفحة أو الرقم: 361. خلاصة حكم المحدث: صحيح.

[5] سورة الأنبياء، الآية 107

عن عبد الرحيم أ.

مهندس دولة, الهندسة الميكانيكية اختصاص الطاقة؛ مدون على صفحة *محتوى*.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *