وباء الكورونا!
الكورونا أصابنا، كما أصاب سلفنا الطّاعون، والحمى القلاعيّة والكوليرا. وباء كورونا أصابنا، كما سيصيب خلَفَنا أوبئة لم نعرفها. الحجر الصّحي هو كلّ ما نملكه، فهل سنخرج منه كما دخلنا إليه؟
ماذا بعد وباء الكورونا؟
ستشرقُ شمسُ صباحٍ خالٍ من الوباء، كما غربت شمس آخر يوم قبل أن يصيبنا هذا البلاء! سيرفع اللّه عنّا وباء كورونا بإذنه، فنحمده ونسأله أن يزيدنا من فضله.
سنلتقي أحبّتنا ونصافحهم، سنقبّلهم ونعانقهم. ستُفتح أبواب المساجد على مصارعها، فيهرول المصلّون إليها، ستُفتح كذلك المطارات، فتقلع بالحجّاج والمعتمرين الطّائرات.
سنعود إلى المدارس والجامعات، سنجتمع في الأقسام، وستعلوا وجوهنا الابتسامات. ستفتح المتاجر والحوانيت، ولن نخرج من البيت وفقا لمواقيت.
لن ندخل المستشفيات بوجوم، ولن ننظر بريب إلى العاطس والمحموم.
نعم، ستعود حياتنا كما كانت قبل أن يصاب أوّل شخص covid-19. فلنصبر ولنحتسب، وبحسن الظّنّ فلنتّسم.
مهلا! أستعود حياتنا؟ وكما كانت قبل أن يصاب أوّل شخص ب covid-19 حقّا؟!
حتما لا، سنخرج من الوباء بغير ما دخلنا إليه، منّا من فقد أمّه وأباه، وآخر فقد صاحبه أو أخاه، أستاذه أو من داواه، سنخرج فاقدين لأحبّتنا.
خسارتنا كبيرة ولسنا ننكر، لكنّنا سنعتبر، وسنحتسب عند اللّه الأجر في من فقدنا، وسنتذكّرهم بدعواتنا دبر كلّ صلاة.
يا ويلتنا إن لم يكن هذا حالنا بعد زوال الوباء، يا ويلتنا إن لم نعتبر، ولم نصلح أحوالنا، فثبتنا على ما كنّا قبل هذه الجائحة!
في جزائرنا، قد أغلقت الجامعات، المدارس، ومؤسّسات التّكوين المهني، منذ 12 مارس المنصرم، وتمّ إقفال كلّ مقهى ومطعم.
كما أوقفت وسائل النّقل العموميّة، ليتبعها حظر الخروج، إلّا في أوقات محدّدة، لإنجاز بعض الأشغال الضّروريّة. توقّفت الحركة ومات الشّارع!
فماذا ننوي بعد انتهاء الحجر؟
سيعود البعض إلى المقاهي، يعسُّ القاصي والدّاني، يجتمع مع الصُّحب على أشرّ الكلم فيُذم، وبعد شهر من آخر لقاء في مقهى، والّذي كان آخر يوم كُتبت في صحيفته سيّئة، بسبب نميمة، أو غيبة، أو شتيمة، عاد وعوده غير أحمد.
سيعود بعضهم إلى ارتياد المقاهي، ويسمع “حيّ على الصّلاة” فلا يلبّي، وقد كان قبل ذلك يبكي وينوح، وأقصد يوم أُعلِن عن إغلاق المساجد.
شهر كامل من البقاء في البيت، أصبحت السّاحات العامّةوالطّرق خالية من أغلفة الحلوى، علب العصائر، وقارورات المشروبات.
بعد انتهاء الحجر، سيعود بعضهم إلى رمي قارورته قدّام شجرة، ولن يهتمّ آخرون إن رموا علبهم، وأغلفتهم من نافذات سيّاراتهم.
ستعود إلى الشّارع أوساخه، كما كانت، وربّما أكثر.
شهر كامل من الحجر المنزلي، شهر كامل، لم يضطرّ الكثير من الشّباب غضّ بصره عن متبرّجة، ولربّما حتّى الّذين لم يعتادوا غضّ أبصارهم، لم يُكتب شيء في صحفهم، فأغلب نسائنا قد قرن في بيوتهن.
شهر من المكوث بالبيت، شهر من عدم التّبرّج، وعدم ارتداء الألبسة الّتي لا تستوفي شروط الحجاب، وعدم وضع عطر يشمّه من مررت بجانبه، ولم تكتبي زانية.
أبعد هذا، تريدين -أي أخيّتي- أن تسودّ صحيفتك؟ أبعد أن ابيضّت؟
ستكون الكورونا عبرة!
من المعيب أن نخرج، بعد أكثر من شهر في الحجر المنزلي، كالهمج، فنفسد في الأرض، ونكثر الهرج، فليكن خروجنا راقيا، ولنخرج بأحسن أحوالنا، ولنتعامل بأحسن أخلاقنا.
وفقكم الله
أمين أجمعين. بارك الله فيك